«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ،
وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ،
وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» ..
ونداؤهم على هذا النحو:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» فيه لمسة خاصة لقلوبهم،
واستحياء لمعنى الإيمان،
وتذكير برعايته حق رعايته واستجاشة للصلة التي تربطهم بربهم
الذي يناديهم هذا النداء الكريم الحبيب.
وباسم هذه الصلة يدعوهم إلى تقوى الله والإيمان برسوله.
فيبدو للإيمان المطلوب معنى خاص..
معنى حقيقة الإيمان وما ينبثق عنها من آثار.
اتقوا الله وآمنوا برسوله..
«يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ» ..
أي يعطكم نصيبين من رحمته وهو تعبير عجيب.
فرحمة الله لا تتجزأ،
ومجرد مسها لإنسان يمنحه حقيقتها.
ولكن في هذا التعبير زيادة امتداد للرحمة وزيادة فيض..
«وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ» .
وهي هبة لدنية يودعها الله القلوب التي تستشعر تقواه،
وتؤمن حق الإيمان برسوله.
هبة تنير تلك القلوب فتشرق،
وترى الحقيقة من وراء الحجب والحواجز،
ومن وراء الأشكال والمظاهر فلا تتخبط،
ولا تلتوي بها الطريق.. «نُوراً تَمْشُونَ بِهِ» ..
«وَيَغْفِرْ لَكُمْ. وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» ...
فالإنسان إنسان مهما وهب من النور.
إنسان يقصر حتى لو عرف الطريق.
إنسان يحتاج إلى المغفرة فتدركه رحمة الله..
«وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» ..
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ» .
لتنالوا كفلين من رحمة الله.
ويكون لكم ذلك النور تمشون به.
وتدرككم رحمة الله بالمغفرة من الذنب والتقصير..
«لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ.
وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ» ..
فقد كان أهل الكتاب يزعمون أنهم شعب الله المختار،
وأنهم أبناء الله وأحباؤه:
«وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا» ..
«وَقالُوا: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى» ..
فالله يدعو الذين آمنوا إلى استحقاق رحمته وجنته وهبته ومغفرته
حتى يعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على احتجاز شيء من فضله،
وأن الفضل بيده يؤتيه من يشاء، غير مقصور على قوم،
ولا محجوز لطائفة، ولا محدود ولا قليل: «وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» ..
وهي دعوة فيها تحضيض واستجاشة واستشارة للسباق إلى الجنة والرحمة.
تختم بها السورة ختاما يتناسق مع سياقها كله،
ومع الهتاف المكرر فيها لهذه القلوب كي تحقق إيمانها
وتخشع لربها وتستجيب لتكاليف الإيمان في الأموال
والأرواح. في تجرد وإخلاص.
في ظلال القرآن